فاخر.. بعد شهر من الجوع
نواف الخلاف
كنت برفقة صديقي عبد العزيز لتناول وجبة العشاء كنت أُفضل أن نبقى في مقهى لا يعرفه إلا الصعاليك هناك، فقط تجد الأقلام والأوراق يتصارع عليها الناس لكتابة أحلامهم هناك أصوات الكادحين تصدح بالسماء، هناك لا نعرف الأسود من الأبيض، هناك لا نعرف من السني ومن الشيعي، هناك لا نعترف بأوراق تشهد أنك انسان، هناك فقط العدل والمساواة، ولكن صديقي عبد العزيز أراد ان يكون عشاء هذه الليلة مختلف جدًا، فقرر أن يذهب لسلسلة مطاعم يملؤها، لا أعرفها ولكن اعرف أن الماء هناك يباع بربع راتب طفل في المناجم، وأخبرته من أين لك المال؟ ومن اين أحضرته؟ ومن أعطاك إياه؟ خفت منه لأن المال بالنسبة لدينا باب الجشع، وحين يفتح باب الجشع يفقد الإنسان إنسانيته.
فأخبرني انه قد حصل عليه من صبره على الجوع شهرًا، لينال عشاءً فاخرًا ليلة واحدة فقط، فقلت له حسنًا سأشاركك أن تحقق حلمك.
وله ما اراد فانا يهمني امر صديقي فقمت بقيادة مركبتي المتهالكه قاصدا المطاعم التي يريد فقال اذهب لتلك المناطق التي بها الاغنياء فقلت له لما فقال لا شأن لك فقلت حسنا وذهبنا الى ان وصلنا لمطاعم تكثر بها الاضواء واصوات السيارات واصوات صافرات الانذار واصوات موسيقى صاخبه غاضبه لا اصوات للعصافير هناك ولا اصوات لضحك الاطفال ايضا وحين وصلت هناك مركبتي بشموخها وكبريائها نظرت الى المركبات الاخرى اصابتها الدهشة والخوف فكل شيء مثير للريبه لا شيء يشبهها بالنسبه اليها رداءها قديم صنعه لها فقير مثلي ليطعم اطفاله وليستطيع فقير مثلي ان يشتريها ليتبع احلامه لا شيء يشبهها ابدا فترددت واعترضت واخرجت دخانها الاسود ثائره ولاكن عزيمتي كانت هي الاقوى وبالنسبه لي انا لا اكترث أبدا.
ولم اخف مثلها ولم اكترث فأنا اعلم ان قيمه الحياة لا يعرفها الا الفقراء مثلي لذلك لا تستغرب ان رأيتني ارقص تحت السماء فرحا بالمطر، واغني في الشوارع وانام على الرصيف ايضا فكلنا هناك ننظر بعين الحب ونشارك بعضنا البعض احلامنا واما بالنسبه للصديق كعادته قال لي لا تكن مجنونا هذه الليله فقلت له حسنا، ونزلنا من مركبتي بعد ان احكمت اغلاقها وصديقي يضحك يقول لي ما بها لتسرق ايها الاحمق لا يعلم بان داخلها كتبت احلامي وبداخلها لعب اطفالي فذهبنا الى ذلك المطعم المزدحم بعالم يملؤه الجشع ينظرون الى ثيابي التي مر عليها عامان تستر جسدي ويقولون مالذي اتى بهم هنا يبدو انك هناك تعرف قيمتك من خلال حذائك وردائك وليس من خلال عقلك وقلمك وحلمك وصبرك، وينظرون ايضا لاحلامي وقد كتبتها على يدي ولا يعرفون انها احلامي مبنيه بزوال جشعهم و زوالهم ثم ذهبنا الى مطعم لا شيء فيه جميل كل شيء مزيّف يملؤه الجشع، وحب المال فقط، هناك
لا جودة للطعام، هناك فقط مظهرها الخارجي وعندما تستطعمها ستبصقها حقا.
فطلبت من النادلة ان تعطيني طاولة بعيدة هناك، لا أحد حولنا سوى أملي بأن أخرج من هذا الكابوس الذي أدخلني به عبد العزيز، فنظرت لي ولسان حالها يقول ما الذي أتى بهذا الأحمق هنا، وقالت غريب أمرك لما لا تجلس بينهم لتريهم حجمهم، أعرف لما قالت ذلك الأمر فالرجال هنا يطلبون الطاولة التي تطل على ممر النساء ليتباهوا أمامهن بأنهم رجال، وكأنهم يجلسون أمام بيت المقدس بعد أن قاموا بفتحه، أو يجلسون بعد ان تعبوا شهرًا كاملًا يحتفلون بيوم الراتب.
عالم مجنون اصبح الرجل يزاحم النساء في طوابير محلات الشنط والاحذيه والاحلام فذهبنا الى تلك الطاوله نسير بين اناس لا تعرف من الحياة الا ان يتباهوا باحذيتهم ..
وحين جلسنا على تلك الطاوله هممت بخلع حذائي واذا بصديقي عبد العزيز ينظر لي ويقول يا احمق ليس هنا الم اطلب منك ان لا تمارس جنونك هنا ولا اعرف عن اي جنون يتحدث اريد فقط ان اتصل بلارض لاصبح جزأ منها الست من طين انا ايضا لذلك قلت له حسنا هي ليلتك اذا فأجاب بنعم هي ليلتي فقلت له هنيئا لك ذلك يا صديقي ولكن لا تطلب مني ان اتصرف مثلهم ابدا فقال حسنا ولكن لا تمارس جنونك امام اعينهم
فقلت حسنا فطلبت كوب القهوه لاني اعرف كم هو مكلف الطعام هنا ومعدتي ليست افضل من حلم ابنتي ان تمتلك كراسه واقلام لترسم احلامها ايضا فأخرجت سماعة هاتفي وقلت له كن معهم وانا دعني استمع لموسيقى الفقراء عن احلامهم عن حياتهم عن امالهم واحتسي القهوه المره كحياة الذين تريد ان تكون معهم فاخرجت قلمي وبدأت برسم احلامي كعادتي ..
وكتبت اول حرف من اسمها فأبحرت في عالمي هناك لا احد يبكي هناك لا احد يموت لا احد لا يعرف الحب هناك السلام فقط لانه لا يوجد برجوازي او اورستقراطي فقط نحن الفقراء
وانا اغني وانا اكتب اغاني كتبها الاطفال على شاهد قبر لطفل دفن في منجم يمتلكه رجل جشع منهم ..
وفي منتصف ذلك الامر جلس بجانب طاولتنا رجل برفقته ثلاث نساء على شاكلته لا يعرفون من الحياة الا ترفها لم تعرق اجسادهم لاجل اطعام اطفالهم لا يعرفون للحياة طعم سوى ما قرئوه في كتاب المدرسه فلم اكترث واكملت كتابة احلامي واذ بالرجل يقاطعني يقول لي هل انت شاعر فنظرت الى صديقي عبد العزيز فرأيته خائف من ما سيكون جوابي فقررت ان المجامله لهذه الليله لا بأس بها فقلت له لا وانا مبتسم ورجعت لاحلامي لاكتبها ثم قاطعني مرة اخرى يريد ان يتبجح امام نساءه وقال هل تعرف انا شاعر ايضا واعرف انك شاعر منذ ان رأيتك تكتب فنظرت لعبد العزيز مرة اخرى ورأيت انه خائفا ايضا من ما سيكون الجواب فنظرت اليه وقلت له حسنا لك
ثم اكملت كتابه احلامي وللمره الثالثه اخرجني من حلمي هذا المغفل فلم انظر لعبد العزيز فخلعت حذائي ووضعت قدمي على الارض واتصلت بها لتكون مصدر قوتي وهم ينظرون بدهشه لما افعل وكيف خلعت الحذاء ووضعت قدمي على الارض يعتقدون ان الارض نجسه ثم نظرت اليه ورميت قلمي وقلت له هات ما عندك فأنا احب ان اسمع ما كتبت من احلام فوق الاوراق فابتسم يبدو انه كان ينتظر تلك الفرصه ليتباهى امام حسناواته بانه سيهزمني امامهم وسيثبت لهم ايضا ان من قال ان لا شعراء بين الاغنياء كاذب فقام باغماض عينيه وانا انظر اليه ولسان حالي يقول يبدو انه غبي اخر وعندما بدأ بسرد ما كتب تمنيت لو كان عبد العزيز ليس معي لاجعل هذا الاحمق يلعق حذائي ليعرف قيمه ما يقول .. فقال شعرا حسب ما يدعي لا حياه له وكأنه يقرأ شهادة وفاة في حفل زفاف وعندما انتهى فتح عيناه
وجميلاته ينظرن اليه يصفقن فرحات جدا بهذا الشاعر الذي ابهر صعلوك مثلي فقلت في داخلي شكرا لله على فقري فقلت له احسنت انت رائع جدا فنظر لي عبد العزيز وهو مندهش ايضا فهو يعلم اني لا احسن ان اكون لبقا ابدا مع هؤلاء وقال شكرا لك فقلت بل لا تشكرني ولكن اشكر صديقي عبد العزيز فقال وهو مندهش ولما لا اشكرك انت وما دخل صديقك في حوارنا فانت من استحسن هذه القصيده فقلت لانه قرر ان نصبح هذه الليله حيوانات نتحدث مع الخنازير ونأكل بينهم ونستمع اليهم ونصفق لهم مجبرين لنكون مثلهم فثار غضب الرجل ولسان حاله يقول كيف لهذا الصعلوك صاحب الثياب الرثه ان يتحدث معي فضحكت انا فضرب عبد العزيز على رأسه وقال يبدو انك تعشق ان ننام بالسجن مره اخرى هو يعرفني جيدا اعشق لغه الجسد لا اجيد في الحياة الا القتال فنظرت اليه فقلت لا تخف لا يستحق ذبابه اخرى فقام الرجل ليضربني وقمت انا فنظر لي واذا بي طويل القامه عريض المنكبين فتردد الرجل ليتدارك الامر وقال لما قلت ذلك فقلت له لا تسألني ابدا لما قلت ذلك وبا تتحدث الا عندما اطلب منك الحديث هناك خيارين امامك الخيار الاول ان اضربك امام حسناواتك وان اجعلك بين الناس ترتدي حذائك فوق رأسك
واما الخيار الثاني ان ترحل من هنا تلملم بقيه كرامتك التي وهبك اياها الفقراء مثلي فاحتار الرجل وقال مجنون انت وقلت له لا شيء جديد فطلب من حسناواته ان يغادروا معه وان يذهبوا لان المكان به مجنون اسمه رختون وهو يتهدد ويتوعد والناس تنظر من حولنا لجنوننا فنظر لي عبد العزيز يضحك يقول لا فائده منك فضحكت
فقلت له لنذهب لعالمنا نحن هناك الحب والسلام وقال لك ما اردت وبالفعل ذهبت وانا ممسك حذائي بيدي بين الناس اعبر وهم خائفون مني يرتعدون لانهم علموا ان الثورة قادمه لا محاله لتأخذ بثأر احلام اطفال المناجم والمصانع التي يرتدونها باقدامهم واما العاملين بالمطعم كانو ينظرون لي وكأني الامل وان الفجر قريب وكانو ينظرون لي فرحين ليس لما قمت به بل لما قلت ما في صدورهم فذهبنا الى مركبتي فرحين ونحن نتحدث ولسنا مكترثين بأحد وعندما رأتني مركبتي فرحت هي ايضا لانها لا تحسن ان تقف وبجانبها مركبات لا حياة فيها لم تصنعها يد انسان بل الات صناعيه لا حياة فيها كقلوب التجار فذهبنا الى حيث ننتمي هناك فرحين وجلسنا وضحكنا ورقصنا مع الجميع وحدثناهم بليلتنا وماذا فعلنا وعن ذلك الشاعر فضحك الجميع واشترينا رغيف خبز وتقاسمناه كما نتقاسم احلامنا ومن ثم غنينا عن الحب والسلام ومن ثم نامو الناس على الرصيف الا انا نظرت للسماء وقلت
هنا انا لست رختون هنا انا نواف الخلاف ...
دمتم بود وحب